معرفة

رسالة معلم القرآن

رسالة معلم القرآن

رسالة معلم القرآن 
الأثنين 16 شوال 1433 هـ , 03 سبتمبر 2012
فضل محمد البرح

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

ثمة مفاهيم ورؤى ينبغي أن تعزز في كل من يتبوأ مكانة التعليم ، ومن جعل من نفسه حاملا لرسالة خالدة بأبعادها المتنوعة ووسائلها المختلفة؛ حتى يتحقق الغرض النبيل من هذه الرسالة العالية؛ وأهم تلك المفاهيم التي يجدر الإشارة إليها: عمق العلاقة بين المعلم والتلميذ، فهي لا تقتصر على توصيل المعلومات، وبلوغ مجموعة من الأرقام في النتائج والتحصيل،  بيد أن ثمة أمراً لا يقل أهمية عن ذلك، حيث تتجاوز العلاقة إلى  النصح والتوجيه وزرع القيم الأخلاقية، وإظهار السمت الحسن والأدب الرفيع ؛ فالمعلم موجه، ومربي، وناصح، وأب، يستلهم الطالب منه إيحاءات حياته، ويبني منه أفكاره وسلوكه ومعظم توجهاته، فرسالته جامعة، وهدفها عظيم، فقد كان السلف رضوان الله عليهم يلتمسون السمت والهدي كما يلتمسون طلب العلم من معلمهم، فهذا همام بن الحارث قال الأعمش عنه : كانوا يأتون يتعلمون في هديه وسمته، وكان يجتمع في مجلس أحمد زهاء خمسة آلاف أو يزيدون نحو خمس مئة يكتبون، والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت، وهذا أبو بكر بن المطوعي يقول: اختلفت إلى أبي عبد الله، اثنتي عشرة سنة، وهو يقرأ " المسند " على أولاده، فما كتبت عنه حديثا واحدا، إنما كنت أنظر إلى هديه وأخلاقه.

على عاتق المعلم مسئولية في غاية الأهمية تجاه هذا الجيل أثناء التعليم من تصحيح المفاهيم والتصورات الخاطئة عن الله تعالى، وتوجيه السلوكيات البعيدة عن الهدي النبوي، وتصويب الآراء والأفكار المجانبة لروح ديننا الحنيف.

ينبغي للمعلم أن يدرك أبعاد الرسالة التعليمية، من مجرد كونها إدلاء وإلقاء للمعلومات إلى أنها كذلك سمت وأخلاق تهدف إلى تشكيل العقلية المسلمة ، وبناء الشخصية المؤمنة المنقادة للوحي الرباني.

إنه ليس القصد من التعليم، ولا من مناهجه، أن يولي الطلاب وجوههم نحو هذه الصروح العملية...وليست غاية العلم هي تلك المعلومات المتراكمة في الذهن، فهي في ذاتها مجردة عما يصاحبها في القلب من الإيمان وفي الحياة من السلوك الصحيح لا تحقق الهدف من رسالة التعليم ، ولا تنشئ الجيل الباني لنهضة الأمة.. إنما العلم حقائق وتصور وأعمال وسلوك تغير من حياة الفرد وواقعه، وتنشئته النشأة المتوائمة مع قيم الإسلام ومفهومه الصحيح.

فليس التوجه إلى الصروح العلمية بحد ذاته محققا لروح رسالة التعليم كما لم يجعل الله تعالى ظاهر التولية إلى المشرق والمغرب كافية إلى تحقيق البر والخير في الناس مجرة عن الروح العميق من الإيمان، والقناعة التامة لجميع ما قرره الرب تعالى في كتابه الكريم من الأعمال والتغيير الشامل في النفس لتلقي المنهج السماوي قال سبحانه:(ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين... الآية).

فالمعلم لن نشئ أو يحدث أمرا جديداً في رسالته بقدر ما هو تفعيل للمادة العلمية والمنهج المرسوم حسب دواعي الحال؛ بحيث يستشف من المعلومة المقدمة في المنهج توضيحاً وبياناً لمسألة هامة، أو سلوك مخلٍ يجب تغييره، أو مفهوم خاطئ يتطلب تصحيحه، فهذه هي الوظيفة الحقيقة للمعلم في ثنايا تدريسه ، حيث يتبنى التبليغ عن ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام من التعاليم إلى متعليميه ليس أكثير، وهذا البلاغ يكون من ناحيتين، الأولى: البيان والأداء والعمل؛ حتى يكون من يصلهم هذا البلاغ من المتعلمين  ترجمة حية واقعة لما يصلهم من المفاهيم، ومن ناحية ثانية: يكون البلاغ بإزالة العقبات التي تعترض طريق الفرد من الالتزام بهذه التعاليم.

إن من أبرز وأهم أدوار المدرس التي تحتمها العملية التعليمية أن يتمثل ما يحمل من رسالة إلى المجتمع ، ويستشعر الأمانة التي أنيطت به في هذا المجال، ويستند في رسالته إلى معالم الوحي وهديه؛ دون ذلك لا يمكن أن يُحدث في نفوس الآخرين أي تغيير سواء على الجانب الإيماني أو العقدي أو السلوكي، أو الثقافي، وليس بوسعه تهيئة الجيل لحمل رسالة هذا الدين العظيم، فالعملية التعليمية لن تؤتي ثمرتها ما لم يستشعر المعلم أبعادها، ومضمون ما يريد أن يوصله إلى متلقيه.

الكاتب :فضل محمد البرح