معرفة

القرآن المكي والمدني

القرآن المكي والمدني

القرآن المكي والمدني 
الجمعة 21 محرم 1433 هـ , 16 ديسمبر 2011
فقد نال القرآن الكريم من العناية والحفظ والدراسة والاهتمام ما لم ينله أي كتاب على وجه البسيطة مصداقاً لقوله تعالى :{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر : 9 ]

القرآن المكي والمدني

فقد نال القرآن الكريم من العناية والحفظ والدراسة والاهتمام ما لم ينله أي كتاب على وجه البسيطة مصداقاً لقوله تعالى :{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر : 9 ]

فنجد أعلام هذه الأمة من الصحابة الكرام ومن بعدهم يضبطون ويحددون مكان وزمان وأسباب نزول سوره وآياته ، فهذا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول : والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت ، ولا نزلت آيه من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيما نزلت، ولو أعلم أن أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه ([1]).

فالعناية بالقرآن الكريم عند السلف الصالح ليست مسألة تراث أو تاريخ وحسب إنما هي فوق ذلك مسألة دين وعقيدة .

وسور القرآن تنقسم من حيث المكي والمدني إلى أقسام:

القسم الأول: المتفق على أنه مكي، وهو عشرون سورة.

القسم الثاني: المختلف فيه: هل هو مكي أم مدني؟ وهو اثنتا عشرة سورة.

القسم الثالث: المتفق على أنه مدني، وهو ما عدا ذلك([2]).

وقد اعتمد الفقهاء في معرفة القرآن المكي والمدني على منهجين أساسيين منهج الرواية والسماع ، والمنهج القياسي العقلي الاجتهادي .

 وكما وضعوا ضوابط لأسلوب كل مرحلتين

 

 

 فأسلوب القرآن المكي:

 يتسم بقصر الفواصل والإيجاز والزجر والإنذار والألفاظ القارعة وإقامة الحجج والبراهين العقلية القاطعة على البعث، وضرب الأمثلة على ذلك، كما يظهر فيه التحدي لعرب الجاهلية على فصاحتهم بأن يأتوا بمثل هذا القرآن كما يكثر فيه الحديث عن قصص الغابرين وهلاك المكذبين .

وأما الأسلوب المدني:

 فيتميز بطول الفواصل والحديث عن الأحكام الشرعية بالتفصيل والدعوة إلى الجهاد ووضع قواعد المجتمع المسلم والحديث عن العلاقات بين أفراده ، وعن المنافقين وكشف مكرهم ، كما يتسم بالحديث عن العلاقات بين الأمم والدول وأهل الكتاب وتحريفهم لكتبهم .

وهذا من حيث العموم وقد وضعوا ضوابط ومميزات بالاستقراء أخص لكل سورة فقالوا : كل سورة فيها سجدة فهي مكية ، وكل سورة فيها لفظ (كلا) فهي مكية ولم يرد هذا اللفظ إلا في النصف الأخير من القرآن فقد ذكرت ثلاثاً وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة . وكل سورة فيها ( يا أيها الناس ) وليس فيها ( يا أيها الذين آمنوا ) فهي مكية إلا سورة الحج . وكل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة فهي مكية إلا سورة البقرة . وكل سورة فيها قصة آدم وإبليس فهي مكية إلا سورة البقرة أيضاً ، وكل سورة تفتح بحروف التهجي (آلم ... حم ) فهي مكية سوى الزهراوين البقرة وآل عمران . وأما ضوابط القرآن المدني بالاستقراء : فكل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية . وكل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية إلا سورة العنكبوت .

وذكر الزركشي في كتابه البرهان في علوم القرآن اختلاف العلماء في ذلك فقال: اعلم أن للناس في ذلك ثلاثة اصطلاحات:

أحدها: أن المكي ما نزل بمكة، والمدني ما نزل بالمدينة.

والثاني وهو المشهور: أن المكي ما نزل قبل الهجرة وإن كان بالمدينة، والمدني ما نزل بعد الهجرة وإن كان بمكة .

والثالث: أن المكي ما وقع خطابًا لأهل مكة، والمدني ما وقع خطابًا لأهل المدينة، وعليه يحمل قول ابن مسعود الآتي؛ لأن الغالب على أهل مكة الكفر فخوطبوا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ وإن كان غيرهم داخلاً فيها، وكان الغالب على أهل المدينة الإيمان فخوطبوا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وإن كان غيرهم داخلاً فيهم.

ونص كلام ابن مسعود هو كما رواه الحاكم والبيهقي وغيرهما: كل شيءٍ نزل فيه يا أيها الناس فهو بمكة، وكل شيء نزل فيه يا أيها الذين آمنوا فهو بالمدينة.

قال الزركشي : وقد نص على هذا القول جماعة من الأئمة، منهم أحمد بن حنبل وغيره، وبه قال كثير من المفسرين ونقله عن ابن عباس، وهذا القول - أي قول ابن مسعود - إن أخذ على إطلاقه ففيه نظر، فإن سورة البقرة مدنية وفيها: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ }[البقرة:21]، وفيها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً} [البقرة:168].

وسورة النساء مدنية وفيها:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء:1]

{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ} [النساء:133]. وسورة الحج مكية وفيها:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج:77].

فإن أراد المفسرون أن الغالب ذلك فهو صحيح؛ ولذا قال مكي: هذا إنما هو الأكثر وليس بعام، وفي كثير من السور المكية:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا }.

والأقرب تنزيل قول من قال مكي ومدني على أنه خطاب المقصود به أو جل المقصود به أهل مكة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كذلك بالنسبة لأهل المدينة.([3]) انتهى كلامه.

ولكل منهما علامات يعرف بها، ذكرها الزركشي بقوله: ومن جملة علاماته أن كل سورة فيها: يا أيها الناس وليس فيها يا أيها الذين آمنوا فهي مكية، وفي الحج اختلاف، وكل سورة فيها: كلا، فهي مكية، وكل سورة أولها حروف المعجم فهي مكية إلا البقرة وآل عمران وفي الرعد خلاف . وكل سورة فيها قصة آدم وإبليس فهي مكية سوى البقرة. وكل سورة فيها ذكر المنافقين فمدنية سوى العنكبوت.

وقال هشام - بن محمد بن السائب الكلبي- عن أبيه: كل سورة ذكرت فيها الحدود والفرائض فهي مدنية، وكل ما كان فيه ذكر القرون الماضية فهي مكية.([4]) انتهى كلامه.

والله أعلم.



([1]) صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - حديث:‏4721‏،

([2]) وراجع الإتقان للسيوطي (1/40).

([3])  البرهان في علوم القرآن (1/191)ط دار المعرفة.

([4])  البرهان في علوم القرآن (1/188) ط دار المعرفة.

الكاتب :موقع معاهد